فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (57):

{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)}
{فَضْلًا مّن رَّبّكَ} أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلًا منه تعالى فهو نصب على المصدرية، وجوز فيه أن يكون حالًا ومفعولًا له، وأيًا ما كان ففيه إشارة إلى نفي إيجاب أعمالهم الإثابة عليه سبحانه وتعالى. وقرئ {فَضَّلَ} بالرفع أي ذلك فضل {ذلك هُوَ الفوز العظيم} لأنه فوز بالمطالب وخلاص من المكاره.

.تفسير الآية رقم (58):

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)}
{فَإِنَّمَا يسرناه} أي فإنما سهلنا القرآن {بِلَسَانِكَ} أي بلغتك، وقيل: المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونك أميًا، وهذا فذلكة وإجمال لما في السورة بعد تفصيل تذكيرًا لما سلف مشروحًا فيها، فالمعنى ذكرهم بالكتاب المبين فإنما يسرناه بلسانك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي كي يفهموه ويتذكروا به ويعملوا وجبه.

.تفسير الآية رقم (59):

{فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}
{فارتقب} أي وأن لم يتذكروا فانتظر ما يحل بهم وهو تعميم بعد تخصيص بقوله تعالى: {فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء} [الدخان: 10] منتظرون ما يحل بك كما قالوا: {نتربص به ريب المنون} [الطور: 30] وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكمًا، وقيل: هو مشاكلة، والمعنى أنهم صائرون للعذاب، وفي الآية من الوعد له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وقيل: فيها الأمر بالمتاركة وهو منسوخ بآية السيف فلا تغفل.
ومن باب الإشارة في الآيات: ما ذكروه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} [الدخان: 17] إلى آخر القصة من تطبيق ذلك على ما في الأنفس، وهو مما يعلم ما ذكرناه في باب الإشارة من هذا الكتاب غير مرة فلا نطيل به، وقالوا في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض *وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} [الدخان: 38، 39] إنه إشارة إلى الوحدة كقوله عز وجل: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِي الافاق وَفِى أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصلت: 53] وأفصح بعضهم فقال: الحق هو عز وجل والباء للسببية أي ما خلقناهما إلا بسبب أن تكون مرايا لظهور الحق جل وعلا، ومن جعل منهم الباء للملابسة أنشد:
رق الزجاج وراقت الخمر ** فتشاكلا وتشابه الأمر

فكأنما خمر ولا قدح ** وكأنما قدح ولا خمر

والعبارة ضيقة والأمر طور ما وراء العقل والسكوت أسلم، وقالوا في شجرة الزقوم: هي شجرة الحرص وحب الدنيا تظهر يوم القيامة على أسوأ حال وأخبث طعم، وقالوا: {الموتة الاولى} [الدخان: 56] ما كان في الدنيا بقتل النفس بسيف الصدق في الجهاد الأكبر وهو المشار إليه وتوا قبل أن تموتوا فمن مات ذلك الموت حيى أبدًا الحياة الطيبة التي لا يمازجها شيء من ماء الألم الجسماني والروحاني وذلك هو الفوز العظيم، والله تعالى يقول الحق وهو سبحانه يهدي السبيل.

.سورة الجاثية:

وتسمى سورة الشريعة وسورة الدهر، كما حكاه الكرماني في العجائب لذكرهما فيها.
وهي مكية قال ابن عطية: بلا خلاف وذكر الماوردي إلا: {قل للذين آمنوا يغفروا} الآية فمدنية.
وحكي هذا الاستثناء في جمال القراء عن قتادة وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
وهي سبع وثلاثون آية في الكوفي وست وثلاثون في الباقية لاختلافهم في حم هل هي آية مستقلة أولا.
ومناسبة أوله الآخر ما قبلها في غاية الوضوح.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{حم (1)}
{حم} إن جعل اسمًا للسورة فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا مسمى بحم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}
{تَنزِيلُ الكتاب} خبر بعد خبر على أنه مصدر أطلق على المفعول مبالغة، وقوله سبحانه: {مِنَ الله العزيز الحكيم} صلته أو خبر ثالث أو حال من {تَنزِيلَ} عاملها معنى الإشارة أو من {تَنزِيلَ} عاملها معنى الإشارة أو من {الكتاب} الذي هو مفعول معنى عاملها المضاف، وقيل: {حم} مبتدأ وهذا خبره والكلام على المبالغة أيضًا أو تأويل {تَنزِيلَ} نزل، والإضافة من إضافة الصفة لموصوفها، واعتبار المبالغة أولى أو المسمى به تنزيل إلخ. وتعقب بأن الذي يجعل عنوانًا للموضوع حقه أن يكون قبل ذلك معلوم الانتساب إليه وإذ لا عهد بالتسمية بعد فحقها الاخبار بها، وجوز جار الله جعل {حم} مبتدأ بتقدير مضاف أي تنزيل حم و{تَنزِيلَ} المذكور خبره و{مِنَ الله} صلته، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر إيذانًا بأنه الكتاب الكامل إن أريد بالكتاب السورة، وفيه تفخيم ليس في تنزيل حم تنزيل من الله، ولهذا لما لم يراع في حم السجدة هذه النكتة عقب بقوله تعالى: {كتاب فُصّلَتْ} [فصلت: 3] ليفيد هذه الفائدة مع التفنن في العبارة، وإن أريد الكتاب كله فللاشعار بأن تنزيله كإنزال الكل في حصول الغرض من التحدي والتهدي، فدعوى عراء هذا الوجه عن فائدة يعتد بها عراء عن إنصاف يعتد به. وإن جعل تعديدًا للحروف فلا حظ له من الإعراب وكان {تَنزِيلَ} خبر مبتدأ مضمر يلوح به ما قبله أي المؤلف من جنس ما ذكر تنزيل الكتاب أو مبتدأ خبره الظرف بعده على ما قاله جار الله، وقيل: {حم} مقسم به ففيه حرف جر مقدر وهو في محل جر أو نصب على الخلاف المعروف فيه و{تَنزِيلَ} نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ مقدر والجملة مستأنفة وجواب القسم قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)}
{إِنَّ فِي السموات والأرض لايات لّلْمُؤْمِنِينَ} وهو على ما تقدم استئناف للتنبيه على الآيات التكوينية، وجوز أن يكون {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} [الجاثية: 2] مبتدأ وخبرًا والجملة جواب القسم، وهو خلاف الظاهر، وقيل: يدر {حم} على كونه مقسمًا به مبتدأ محذوف الخبر أي حم قسمي ويكون {تَنزِيلَ} نعتًا له غير مقطوع، وعلى سائر الأوجه قوله سبحانه: {العزيز الحكيم} نعت للاسم الجليل.
وجوز الإمام كونه صفة للكتاب ءلا أنه رجح الأول بعد احتياجه إلى ارتكاب المجاز مع زيادة قرب الصفة من الموصوف فيه، وأوجبه أبوحيان لما في الثاني من الفصل بين الصفة والموصوف الغير الجائز.
وقوله عز وجل: {إِنَّ فِي السموات} إلخ يجوز أن يكون بتقدير مضاف أي إن في خلق السموات كما رواه الواحدي عن الزجاج لما أنه قد صرح به في آية أخرى والقرآن يفسر بعضه بعضًا، ويناسبه قوله عز وجل:

.تفسير الآية رقم (4):

{وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)}
{وَفِى خَلْقِكُمْ} إلى آخره، ويجوز أن يكون على ظاهره وحينئذ يكون على أحد وجهين. أحدهما: إن فيهما لآيات أي ما فيهما من المخلوقات كالجبال والمعادن والكواكب والنيرين وعلى هذا يكون قوله سبحانه: {وَفِى خَلْقِكُمْ} من عطف الخاص على العام. والثاني: أن أنفسهما لآيات لما فيها من فنون الدلالة على القادر الحكيم جل شأنه، وهذا أظهر وهو أبلغ من أن يقال: إن في خلقهما لآيات وإن كان المعنى آيلًا إليه، و{فِى خَلَقَكُمْ} خبر مقدم وقوله سبحاه: {وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ} عطف على خلق، وجوز في {مَا} كونها مصدرية وكونها موصولة إما بتقدير مضاف أي وفي خلق ما ينشره ويفرقه من دابة أو بدونه.
وجوز عطفه على الضمير المتصل المجرور بالإضافة وما موصولة لا غير على الظاهر، وهو مبني على جواز العطف على الضمير المتصل المجرور من غير إعادة الجار وذلك مذهب الكوفيين. ويونس. والأخفش؛ قال أبو حيان: وهو الصحيح، واختاره الأستاذ أبو علي الشلوبين، ومذهب سيبويه. وجمهور البصريين منع العطف المذكور سواء كان الضمير مجرور بالحرف أو بالإضافة لشدة الاتصال فأشبه العف على بعض الكلمة.
وذكر ابن الحاجب في شرح المفصل في باب الوقف منه أن بعض النحويين يجوزون العطف في المجرور بالإضافة دون المجرور بالحرف لأن اتصال المجرور بالمضاف ليس كاتصاله بالجار لاستقلال كل واحد منهما عناه فلم يشتد اتصاله فيه اشتداد مع الحرف وأجاز الجرمي. والزيادي العطف إذا أكد الضمير المتصل نفصل نحو مررت بك أنت وزيد وقوله تعالى: {ءايات} مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة على جملة {إِنَّ فِي السموات} [الجاثية: 3] إلخ. وقرأ أبي. وعبد الله {لاَيَاتٍ} باللام كذا في البحر ولم يبين أن آيات مرفوع أو منصوب، فإن كان منصوبًا فاللام زائدة في اسم إن المتقدم عليه خبرها وهو أحد مواضع زيادته المطردة الكثيرة، وإن كان مرفوعًا فهي زائدة في المبتدأ ويقل زيادتها فيه، وحسن زيادتها هنا تقدم إن في الجملة المعطوف عليها فهو كقوله:
إن الخلافة بعدهم لذميمة ** وخلائف ظرف لمما أحقر

وقرأ زيد بن علي {ءايَةً} بالإفراد. وقرأ الأعمش. والجحدري. وحمزة. والكسائي. ويعقوب {ءايات} بالجمع والنصب على أنها عطف على {ءايات} السابق الواقع اسمًا لأن و{فِى خَلَقَكُمْ} معطوف على {فِي السموات} فكأنه قيل: وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي من شأنهم أن يوقنوا بالأشياء على ما هي عليه.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)}
{واختلاف اليل والنهار} بالجر على إضمار في، وقد قرأ عبد الله بذكره. وجاء حذف الجار مع إبقاء عمله كما في قوله:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة ** أشارت كلبب بالأكف الأصابع

وحسن ما هنا ذكر الجار في الآيتين قبل. وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره {ءايات} بعد، والمراد باختلافهما تعاقبهما أتفاوتهما طولًا وقصرًا، وقيل: اختلافهما في أن أحدهما نور والآخر ظلمة {وَمَا أَنزَلَ الله} عطف على {اختلاف} {مّنَ السماء} جهة العلو، وقيل: السحاب، وقيل: الجرم المعروف بضرب من التأويل.
{مِن رّزْقِ} من مطر، وسمي رزقًا لأنه سببه فهو مجاز، ولو لم يؤل صح لأنه في نفسه رزق أيضًا.
{فَأَحْيَا بِهِ الأرض} بأن أخرج منها أصناف الزرع والثمرات والنبات، والسببية عادية اقتضتها الحكمة {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها وعرائها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها {وَتَصْرِيفِ الرياح} من جهة إلى أخرى ومن حال إلى حال، وتأخيره عن إنزال المطر مع تقدمه عليه في الوجوه إما للإيذان بأنه آية مستقلة حيث لو روعي الترتيب الوجودي لرا توهم أن مجموع تصريف الرياح وإنزال المطر آية واحدة، وإما لأن كون التصريف آية ليس جرد كونه مبدأ لإنشاء المطر بل له ولسائر المنافع التي من جملتها سوق السفن في البحار.
وقرأ زيد بن علي. وطلحة. وعيسى {وَتَصْرِيفِ الرياح} بالأفراد {ءايات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما تقدم من الجار والمجرور أعني {فِى اختلاف} على ما سمعت، والجملة معطوفة على ما قبلها.
وقيل: إن {اختلاف} بالجر عطف على {خَلَقَكُمْ} [الجاثية: 4] المجرور بفي قبله و{ءايات} عطف على {آيات} [الجاثية: 4] السابق المرفوع بالابتداء، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، ومن الناس من يمنعة وهم أكثر البصريين، ومنهم من يجيزه وهم أكثر الكوفيين، ومنهم من يفصل فيقول: وهو جائز في نحو قولك: في الدار زيد والحجرة عمرو وغير جائز في نحو قولك: زيد في الدار وعمر والحجرة لأن الأول يلي المجرور فيه العاطف فقام العاطف مقام الجار، والثاني لم يل فيه المجرور العاطف فكان فيه إضمار الجار من غير عوض، وتمام الكلام في هذه المسألة في محله؛ وقيل: إن {اختلاف} عطف على المجرور قبل و{ءايات} خبر مبتدأ محذوف أي هي آيات؛ واختاره من لم يجوز العطف على معمولي عاملين ويقول بضعف حذف الجار مع بقاء عمله وإن تقدمه ذكر جار.
وقال أبو البقاء: {ءايات} مرفوع على التأكيد لآيات السابق وهم يعيدون الشيء إذا طال الكلام في الجملة للتأكيد والتذكير.
وتعقب بأن ذلك إنما يكون بعين ما تقدم واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد، وأيضًا فيه الفصل بين المعطوف المجرور والمعطوف عليه وبين المؤكد والمؤكد وهو إن جاز يورث تعقيدًا ينافي فصاحة القرآن العظيم. وقرأ {ءايات} هنا بالنصب من قرأها هناك به فهي مفعول لفعل محذوف أي أعني آيات، وقيل: العاطف في قوله تعالى: {واختلاف} عطف اختلاف على المجرور بفي قبل وعطفها على اسم {إن} [الجاثية: 3] وهو مبني على جواز العطف على معمولي عاملين، وقال أبو البقاء: هي منصوبة على التأكيد والتكرير لاسم إن نحو إن بثوبك دمًا وبثوب زيد دمًا، ومر آنفًا ما فيه.
وقال بعضهم: إنها اسم إن مضمرة وهي قد تضمر ويبقى عملها، ذكر أبو حيان في الارتشاف في الكلام على إن من خير النار أو خيرهم زيد أن محمل بن يحيى بن المبارك اليزيدي ذهب إلى نصب خيرهم ورفع زيد فاسم إن محذوف وأو خيرهم منصوب بإضمار إن لدلالة إن المذكورة تقديره إن من خير الناس زيدًا وإن خيرهم زيد. وقد أقر الشاطبي تخريج النصب في الآية على ذلك لكن نقله السفاقسي عن أبي البقاء ورده بأن إن لا تضمر.
وقال ابن هشام في آخر الباب الرابع من المغني:: إنه بعيد، والظاهر أنه لابد عليه من إضمار الجار في {اختلاف} وحينئذ لا يخفى حاله، وسائر القراءات مروية هنا عمن رويت عنه فيما تقدم، وتنكير {ءايات} في الآيات للتفخيم كما وكيفا، والمعنى إن المنصفين من العباد إذ نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة وأنها لابد لها من صانع فآمنوا بالله تعالى وأقروا، وإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى أخرى وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا ايمانًا وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بعد موتها وتصريف الرياح جنوبًا وشمالًا وقبولًا ودبورًا وشدة وضعفًا وحرارة وبرودة عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم كذا في الكشاف ومنه يعلم نكتة اختلاف الفواصل.
وفي الكشف أنه ذكر ما حاصله أنه على سبيل الترقي وهو يوافق ما عليه الصوفية وغيرهم من أن الايقان مرتبة خاصة في الايمان، ثم العقل لما كان مدارهما أي الايمان والايقان ونعني به العقل المؤيد بنور البصيرة جعله لخلوص الايقان من اعتراء الشكوك من كل وجه ففي استحكامه كل خير، وروعي في ترتيب الآيات ما روعي في ترتيب المراتب الثلاث من تقديم ما هو أقدم وجودًا، ولا يلزم أن تكون الآية الثانية أعظم من الأولى ولا الثالثة من الثانية لما ذكره من أن الجامع بين النظرين موقن وبين الثلاثة عاقل على أنها كذلك في تحصيل هذا الغرض فإن كانت أعظم من وجه رخر فلا بأس فإن النظر إلى حال نفسه وما هو من نوعه ثم جنسه من سائر الأناسي والحيوان للقرب والتكرر وكثرة العدد أدخل في انتفاء الشك وحصول اليقين وإن كان النظر في السماء والأرض أتم دلالة على كمال القدرة والعلم فذلك لا يضر ولا هو المطلوب هاهنا ثم النظر إلى اختلاف المذكور أدل على استحكام ذلك اليقين من حيث أنه يتجدد حينًا فحينًا ويبعث على النظر والاعتبار كلما تجدد هذا، والتحقيق أن تمام النظر في الثاني يضطر إلى النظر في الأول لأن السموات والأرض من أسباب تكون الحيوان بوجه، وكذلك النظر في الثالث يضطر إلى النظر في الأولين، أما على الأول فظاهر من أسباب تكون الحيوان بوجه، وكذلك النظر في الثالث يضطر إلى النظر في الأولين، أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأنه العلة الغائية فلابد من أن يكون جامعًا انتهى، وهو كلام نفيس جدًا.
وقال الإمام في ترتيب هذه الفواصل: أظن أن سببه أنه قيل إن كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين بل كنتم من طلاب الجزم واليقين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل، ولا يخفى أنه فاته ذلك التحقيق ولم يختر الترقي وهو بالاختيار حقيق، والمغايرة بين ما هنا وما في سورة البقرة (164) أعني {إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض *واختلاف الليل والنهار والفلك التي تَجْرِى فِي البحر بما يَنفَعُ الناس} الآية للتفنن والكلام المعجز مملوء منه، وذكر الإمام في ذلك ما لا يهش له السامع فتأمل.